تحليل خاص | فخر الصناعة العربية.. أسود المغرب روضت الثيران الإسبانية

مباراة فيها كل لاعب مغربي على أرض الملعب بطل، كل لاعب على أرض الملعب أسد، ملحمة كرويَّة مغربيَّة من الجميع، بالفعل منتخب مرابطين، منتخب عظيم يستحقّ التَّواجد ضمن الثَّمانية الكبار في البطولة الأغلى

تحليل خاص | فخر الصناعة العربية.. أسود المغرب روضت الثيران الإسبانية

(Gettyimages)

دبّ منتخب "أسود الأطلس" الفرح والفخر بين المشجعين العرب والمغربيين، بعد الصعود التاريخي إلى الدور ربع النهائي الذي لم يسبق أن حققه منتخب عربي من قبل في بطولات كأس العالم.

صنع المغرب لاعبين على مستوى عال على غرار نجم باريس سان جيرمان، أشرف حكيمي، ونجم تشيلسي الإنجليزي، حكيم زياش، وهو من يمتلك أسدًا لحماية عرينه، بونو، وأيضا وسط ميدان مُرابط كسفيان امبرابط.

صعد المنتخب المغربي لدور الثَّمانية في مونديال قطر على حساب المنتخب الإسباني، الذي كان في بداية البطولة مرشَّحا للفوز بكأس العالم مع لويس إنريكي، وهذا التَّرشيح لم يأتِ من فراغ، فالمنتخب الإسباني منظَّم جدًا على المستوى التَّكتيكي، منتخب لديه حلول، منسجم جدًا، ويلعب وكأنَّه ناد وليس منتخب.

وليد الرَّكراكي لم يهمُّه كل ما قيل في إسبانيا وإنريكي، فأظهر شخصيَّة متماسكة على أرض الملعب، وابتكر أمورا تكتيكيَّة لم يكن يستخدمها قبل هذه المباريات، تكتيكاتٌ لدغ المنتخب الإسباني من خلالها.

المنتخب الإسباني الذي حاول أن يتذاكى بالعمل على إنهاء مرحلة المجموعات في المركز الثّاني ليتجنَّبوا مواجهة البرازيل في دور الثَّمانية، مستهترين بالمنتخب المغربي، وكأنَّ المغرب لقمة سائغة، لكن "أسود الأطلس" قالوا لهم لن تتأهَّلوا أصلًا إلى دور الثَّمانية، فهنا أسود تزأر في عرينها لن تتمكَّن الثّيران من اجتيازها، فكنتم لقمةً سائغة بين فكَّي هذه الأسود، ضاربين بعرض الحائط العنجهيَّة الأوروبية، والغرور اللّامتناهي لدى الأوروبيّين، ليأتي الرَّد من بانينكا مغربيَّة من أقدام أشرف حكيمي، وكأنَّه يقول لهم "هذا حجمكم".

مباراة فيها كل لاعب مغربي على أرض الملعب بطل، كل لاعب على أرض الملعب أسد، ملحمة كرويَّة مغربيَّة من الجميع، بالفعل منتخب مرابطين، منتخب عظيم يستحقّ التَّواجد ضمن الثَّمانية الكبار في البطولة الأغلى، الأعلى والأعرق في العالم.

تشكيلة المنتخبين

بدأ المنتخب الإسباني المباراة بخطَّة 4-3-3؛ أوناي سيمون في حراسة المرمى؛ لورنتي، رودري، لابورت وألبا في خطّ الدِّفاع؛ جافي، بوسكيتس وبيدري في خط الوسط؛ توريس وأولمو على الأجنحة وأسينسيو مهاجم وهمي.

بدأ المنتخب المغربي المباراة بخطَّة 4-1-4-1؛ ياسين بونو في حراسة المرمى؛ حكيمي، أكرد، سايس ومزراوي في خطّ الدِّفاع؛ أمرابط محور ارتكاز؛ زياش، اوناهي، املاح وبوفال في الوسط؛ وفي الهجوم تواجد يوسف النَّصيري.

تحليل اللِّقاء

دخل المنتخب الإسباني المباراة بخطَّة 4-3-3، محاولًا السَّيطرة على الممرّاتِ الخمسة والاستحواذ على اللَّعب، لكن هذا الاستحواذ كان سلبِيًا دونَ تشكيل خطورة على المرمى المغربي، باستثناء الكرات السّاقطة خلف المدافعين، التي لم يحسن أسينسيو استغلالها مع تألُّق من الحارس ياسين بونو.

دخل المنتخب المغربي بقيادة الرَّكراكي المباراة بنظام 4-1-4-1 دفاعيًا، فكان يعي تمامًا أنَّ المنتخب الإسباني هو منتخب استحواذ، أمرابط لاعِب ارتكاز سريع، اوناهي واملاح محور مزدوج، بوفال وزياش مع مهام دفاعيَّة بحتة للتَّغطية وغلق المساحات على الأظهرة، مع مراقبة حكيمي ومزراوي للأَجنحة الإسبانيَّة. ضغط متوسِّط في كتلة منخفضة مع أَدوار مهمَّة من نصيري مع المحاور في عزل بوسكيتس عن عمليَّة البناء، لذلك شاهدنا بيدري وغافي يتراجعان إلى مناطق متأَخرة حتّى يساهما في عمليَّة البناء في ظل التَّكتُّلات الدِّفاعيَّة، مع عمليَّة ترحيل ممتازة وتحوُّل عرضي ككتلة واحدة وتضييق للمساحات مع تقارب خطوط رهيب وانضِباط تكتيكي رائِع لأَشبالِ الرَّجراجي.

في المباريات السّابقة اتَّبع وليد الرَّكراكي إستراتيجيَّة الضَّغط المتوسِّط، لكنه بالأمس اتَّبع تكتيكين؛ في بعض الأحيان كان يدافع من وسط الملعب، وفي أحيان أخرى كان يدافع بخط دفاع منخفض، مع تضييق عمق الملعب بإحكام. فكان يتوجَّه املاح إلى الجهة اليسرى لإغلاق المساحات على توريس، جافي ويورنتي، رفقة مزراوي وبوفال، كما يتوجَّه اوناهي إلى الجهة اليمنى لإغلاق المساحات على بيدري، أولمو وألبا، فأصبح بوسكيتس منعزل تمامًا عن باقي الفريق، فأمرابط رفقة النِّصيري يغلقان العمق تمامًا.

على الطَّرف الهجومي، كان سفيان بوفال عبارة عن محطَّة قويَّة في الارتداد الهجومي، فقدَّم بوفال مباراة عظيمة، وهي من أروع المباريات بالنِّسبة له في البطولة حتّى الآن؛ مهارات فرديَّة، مراوغات، قرارات صائبة وكل الأمور التي يجب أن يفعلها لاعب هجومي، فقط كانت تنقصه اللَّمسة الأخيرة لتشكيل خطورة أكبر على المرمى الإسباني. وجب التَّنويه أنّه وخلال الشَّوط الأول لم يسدِّد لاعبو المنتخب الاسباني أي تسديدة على مرمى المنتخب المغربي، وهو أسوأ شوط للمنتخب الاسباني منذ العام 1966.

في الشَّوط الثّاني، وتحديدًا في الدَّقيقة 66 بدأت التَّغييرات، حيث أقحم إنريكي كل من موراتا وسولير، ليصبح لديه رأس حربة صريح، ولاعب وسط أقرب للمهاجمين، حينها قام المنتخب المغربي بتوسعة عرض الملعب معتمدًا على العرضيّات، وأقحم ويليامز مكان توريس مستغلًا هبوط اللَّياقة لدى مزراوي، فقام الرَّكراكي بإخراج بوفال وإدخال الزلزولي لمساندة مزراوي في النّاحية الدِّفاعية على الجهة اليسرى التي أصبح يشكِّل منها ويليامز خطورة على المرمى المغربي، هذا التَّبديل حدَّ من خطورة ويليامز على هذا الجانب، لتنتهي الـ90 دقيقة بالتَّعادل السَّلبي 0-0.

في الشَّوط الإضافي الأوَّل تغيَّر الرَّسم التكتيكي لدى المنتخب المغربي مع تكثيف الهجوم الإسباني، فأصبح يدخل حكيمي إلى قلب الدِّفاع ويشغل زيّاش مركز الظَّهير الأيمن، ليصبح لديه خماسي في خط الدِّفاع.

نقاط تحليليَّة

- سفيان أمرابط قدِّم أفضل أداء للاعب ارتكاز في كأس العالم، فعندما تواجه منتخبات عالميَّة قويَّة كبلجيكا، كرواتيا، إسبانيا وتكون منطقة ارتكاز المنتخب المغربي محرَّمة على الجميع، هذا يعني أنَّ هناك لاعب مغلق الخطوط تمامًا.

- الصَّبر المغربي والتَّركيز طيلة الــ120 دقيقة مع الأوقات الإضافيَّة يدل على تحضير نفسي وبدني رهيب. العامِل البدني ربَّما غدر بهم بعض الشَّيء، لـكن الصُّمود هو أمر صدقًا لا تراه إلّا في المنتخبات الكبيرة.

- بالنِّسبة للمنتخب المغربي الحالي ومديره الفنّي وليد الرَّكراكي، فهذا جيل سيذكره التّاريخ على ما قاموا به في هذه البطولة حتى الآن.

- في هذه المباراة استنزف المنتخب المغربي بدنيًا، الأمر الذي قد يؤثِّر عليهم في مباراتهم أمام منتخب البرتغال في الدَّور القادم.

- اوناحي تلاعب خلال المباراة بدفاع ووسط منتخب إسبانيا، كان بمثابة محرِّك في الملعب على النّاحية الهجوميَّة بالنِّسبة للمنتخب المغربي.

- إقحام موراتا في اللِّقاء بدلًا من اسينسيو كان بمثابة اعتراف من إنريكي بأنه فشل في فكرة المهاجم الوهمي التي اعتمدها في بداية اللِّقاء.

رجل المباراة

تبقى الحيرة في مباراةٍ كهذه من تختاره رجلًا لها، هل يقع اختيارنا على سفيان أمرابط الذي رابط في أرض الملعب، ركض وربط الخطوط ببعض، كتب على خط منطقة جزاء المغرب عبارة " ممنوع الدُّخول" وكان يعاقب من يدخلها، أم تختار ياسين بونو الذي أوقف 3 ركلات ترجيحية للمنتخب الإسباني وكان له دور كبير في التَّأهُّل، هل نختار قلوب الدِّفاع الذين أشعرونا للوهلة وكأنَّ مالديني وكنافارو يدافعون في المنتخب المغربي؟ أم نختار اوناحي الذي كان يتراقص بدفاعات المنتخب الإسباني يمينًا ويسارًا؟ أم نختار حكيمي الذي كان سدًا منيعًا في الجهة اليسرى وكان المسجِّل لركلة الترجيح المؤهلة للدَّور القادم؟

حقيقةً، لا شكّ بأن كل لاعبي المنتخب المغربي كانوا رجالًا على أرض الملعب، كانوا أبطالًا وكانوا أسودا، ولكن نحن سنختار رجلين لهذه المباراة؛ ياسين بونو حارس المرمى في المنتخب المغربي، ولاعب الوسط سفيان أمرابط.

التعليقات